جريدة وطنية تغطي كل المكاتب الولائية والجهوية واللجان

العنف المدرسي – الأسباب والحلول

بقلم الأستاذ مسعود عمراوي

إن الوضع الأمني بالمؤسسات التربوية يزداد تأزما و خطورة يوما بعد يوم، وينذر بالأسوأ تجاه الجماعة التربوية ككل ، فمن الظروف الصعبة للعمل إلى العنف المدرسي الدخيل على المجتمع الجزائري الذي حول حياة المربين إلى جحيم ، إذ لا يمكنهم تأدية واجبهم المهني في ظل الاعتداءات التي يتعرضون لها ، واستفحلت هذه الظاهرة يوم أن أطل علينا وزير التربية الوطنية السيد ” جبار ” سنة 1996 حيث خاطب الأولياء على شاشة التلفاز متوعدا المربين طالبا من الأولياء تقديم شكوى بأي مرب ضرب أبناءهم لتوقيفه مباشرة ، وهنا استغل ضعاف العقول من الأولياء الفرصة لجرجرة المربين لمخافر الشرطة وأروقة العدالة لنيل بعض الدريهمات مكسرين القدسية التي كانت تربط الأستاذ بالتلميذ ، وبذلك تم تشجيع التلميذ ليتطاول على أستاذه ، وازداد الوضع تفاقما بإلغاء القانون المدني الصادر في 1975 الذي ينص في إحدى مواده على أن الدولة تحلّ محل الأستاذ إذا قام أولياء التلاميذ بتحريك دعوى قضائية ضده، وكذا بصدور القانون التوجيهي لقطاع التربية في 2008 حيث ألغيت المواد التي تحمي المربين وعوضت بالمادة 22 من القانون التوجيهي التي جاءت لتحمّل المربي مسؤولية ما يحدث للتلاميذ على مستوى المؤسسات التعليمية ، وجعله ‘مذنبا في جميع الأحوال حتى في حال وقوع شجار بين التلاميذ في القسم ،ناهيك عن ترسانة القوانين التي تعاقب المربين عقابا شديدا في حال تعرض التلميذ لأي عقاب بدني ومهما كان نوعه ، ويشكل قرار وزارة التربية الوطنية الرامي إلى منع التأديب على مستوى المؤسسات التربوية أهم عائق لضمان السير الحسن للعملية التربوية ، وبذلك انحصرت مهمة الأستاذ في تلقين المعارف، دون إعطائه الحق في استعمال أسلوب الجزاء.
وبتحليل بسيط نجد عوامل متعددة ساهمت بشكل كبير في تنامي ظاهرة العنف من طرف التلاميذ ضد المربين ومن أهمها :
—————————————
• تخلي الأسرة عن دورها الريادي في تربية الأبناء حتى أن الأطفال لايُسألون أبدا مع من كانوا وماذا كانوا يفعلون ، وحتى عن توقيت عودتهم متأخرين إلى البيت مما أعطى نوعا من الحرية تكاد تكون مطلقة ، ولذلك تجدهم يتصرفون وفق ما يشاءون فلا رادع لهم، ناهيك عن عدم مراقبتهم حتى في المنزل فيشاهدون أفلام العنف في مختلف الفضائيات دون تدخل الأسرة لتوجيههم لأحسن البرامج التربوية ، إضافة إلى ذلك فإن الأسر التي يسودها سلوك العنف والشغب والفوضى والعادات السيئة الأخرى، سواء فيما بين الأبوين أو بين أبنائهما، هي من الأسباب الرئيسية لظاهرة سلوك بعض أبنائنا التلاميذ على هذا النحو الاجتماعي السلبي والخطير.
• القانون الأساسي‬240/12 المجحف في حق المديرين في‬ التصنيف بالرغم من تعرضهم وحدهم لكل التبعات الجزائية، ‬كونهم المسؤولين الأولين عن المؤسسات التعليمية مما سبب لهم إحباطا كبيرا فتخلوا عن دورهم،‬حيث أصبحوا ‬يقومون بدور هزيل نتيجة عدم تثمين مهنتهم وعدم تحفيزهم خلافا لما كانوا عليه سابقا،وكذلك تخلي المساعد والمشرف التربوي ومستشار التربية ومستشار التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني والناظر عن مهامهم نتيجة الإحباط الشديد الذي تعرضوا له ‬جراء هذا القانون المجحف الذي منحهم تصنيفات دونية ، لأن موظفي هذه الأسلاك كانوا الدروع الواقية للصدمات و لأي اهتزاز في‬ المؤسسات التربوية ، ولذلك استقالوا من الحياة التربوية ما شجع ظاهرة العنف في‬ الوسط المدرسي‬ وتفاقم أكثر من أي‬ وقت مضى.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
• عدم تلقي بعض الأساتذة التكوين الكافي خاصة بعد غلق المعاهد التكنولوجية ،ولذلك نجد البعض منهم لا يملكون وعيا تربويا بطرق التعامل مع الأطفال وفقا للنظريات التربوية الحديثة مما جعلهم يستخدمون الاستهجان والاحتقار وحتى الكلمات النابية أحيانا وتكريسهم للعنف وتشويههم البنية النفسية للطالب ، والمدرسة عندما تتبع هذه الأساليب تصبح مؤسسة لتدمير الأجيال وإخفاقهم في كل المجالات .
• إهمال فيدراليات واتحادات وجمعيات أولياء التلاميذ دورها الأساسي في التحسيس وإيجاد أنجع الطرق لمعالجة الأسباب الحقيقية لتنامي العنف ، واهتمامها بقضايا ليست أصلا من اهتماماتها ، والتنافس المحموم في التقرب من وزارة التربية لتتعامل معها دون سواها نتيجة الولاء التام لتعطى لها إشارة التمثيل الحقيقي لها ؟

بعض الحلول المقترحة للتخفيف من ظاهرة العنف المدرسي :
——————————————————–
– إيلاء التربية الإسلامية والخلقية الأهمية البالغة مع تخصيص ساعة في المقرر المدرسي للتحدث حول الظاهرة ، مع ضرورة إعادة النظر في البرنامج الدراسي المقدم لفائدة التلاميذ، باعتبار أن دروسه غير كافية لإعادة الاستقامة للمتمدرسين لأن الدروس التي من شأنها التقليل من العنف أقصيت خلال عملية الإصلاح واستبدالها بدقائق من التربية الخلقية مع غياب العنصر التحفيزي .
– ضرورة تفعيل دور الأسرة وجمعيات أولياء التلاميذ وتحديد أدوارها وحث الأولياء على المشاركة فيها بقوة، لمناقشة انشغالات أبنائهم، والتحاور معهم في جو ديمقراطي لوضع الأصبع على الداء لإيجاد أفضل الحلول.
– توفير مرشدين نفسانيين في المدارس، وهو أمرطبيعي في ظل تنامي ظاهرة العنف المدرسي ، لأن الدولة لم تتحرك لتحقيق هذا المطلب الضروري، لأنها تنظر إليه بمنظار التقشف ومناصب مالية جديدة ،لذا لم تأخذ الموضوع على محمل الجد، إلا أنه أضحى أمرا ضروريا لحماية أطفالنا من النتائج المنجرة عن ظاهرة العنف التي تزداد حدتها يوما بعد يوم، ومن الضروري توفير المرشدين النفسانيين لتولي مهام التوجيه والإرشاد البيداغوجي، وهو الأمر الذي تحسب له الدول المتقدمة ألف حساب من خلال توفير النفسانيين في كل المؤسسات التربوية بدون استثناء
– تكوين الأستاذ الكفء في معاهد متخصصة تكوينا طويل المدى للتمكن من طرق التدريس ولتقي علوم التربية وعلم النفس لمعرفة خصائص التلميذ المراهق وكيفية معاملته لضمان تعليم جيد ذي نوعية وتربية حسنة .
– توفير الأمن للمربي لتأديته واجبه على أحسن ما يرام ، و تغيير القوانين الحالية التي ساهمت بنسبة كبيرة في تطاول التلميذ على أستاذه ، وإعطاء رجال ونساء التربية المكانة اللائقة بهم .

التعليقات مغلقة.

close-link